على مشارف الحنين... ناصر القواسمي
حزين // لأني بعد أقل من جرح
سأدقُ باب الحنين
وأمُر كما الرصاصة بين غيمتين // أو قُبلتين
في ساحة الجنون
حزين //
لأني لم أزُر كل البلاد التي أحب
ولم أزرع الياسمين الشهيّ في القلب
كما يجب
ولأن الجهات التي ضيّعتها // ضيّعتني
فاستفقنا جميعاً على الأنين
لأن أمي تشعر أني كبرت كثيراً
فتخجل من عناقي في الطريق // علناً
إذا التقيتها بعد حين
ولأن الهواء الذي يمُر // يمُر ناشفاً
فلا يحمل عطر الحياة في ثناياه
ولا يحمل روح الياسمين
حزين //
لأني لم أشتري لطفلي في سريره
حلماً جميلا
ولم يرِفّ الحمام على سريره يهدهده
كي ينام
أو يرمي الأفق بضحكة أجمل من اليقين
لأن الغمام الذي يراود السماء // شقيّ
لا ينُز المطر
ولا يشتهيه التراب
كما يشتهي الطقس أغاني العاشقين
لأن السنونوة التي أصابها الجوع خلسة
فنزلت للأرض تقتات
رماها الصبية بحصى العبث ففرّت
وارتطمت دون وعي بجدار رزين
أسقطها ملأ السقوط في الجرح
وأسكنها قفص الهراء بجانح مُصاب
فبُح الكلام في ضيق المكان // كماءٍ
بين حرفين من تراب يستكين
حزين //
لأني لم أعشق كل النساء
ولم أنجب من رأسي القصيدة التي
تفرّخ الحب للملايين
لأني لا أملك طقوس الفرح فأهبها للحزانى
ولا أملك جهة الشمس // فأضيء
كل الجهات المترفة بالعتم والجنون
لأن السماء لا تمطر الحلوى والسكاكر
على الأطفال هناك
في بلادٍ تثقل كاهلها الحرب // والجراح
وتغوص أحلام أهلها بالطين
حزين //
لأن صوتي بحيح // موشوم بالخفوت
ووتري ممزق
وحروفي الملقاة على عاتق قلبي
مُصابة بالجفاف والوهج المكين
لأن أغنيتي لا تمنح الفرح لليتامى
وقصيدتي جرح يصفق له الناس // تعباً
وتمنح الألم الكبير وانطفاءة السنين
لأني بلا شكٍ يملؤني
وبلا يقين
فكلما انتهيت من صنع سفينتي يجف البحر
أو رفعت شراعي عالياً
تهدأ الرياح وتستكين
فإذا القيتُ بالمرساة إنقطع الحبل // وتاهت
وضاع في وعد قلبي الحنين
حزين //
لأني كلما انتهيتُ من الإمساك بجميع أوراق اللعب
يكون كل من حولي كفّوا عن اللعب
وألقوا بالأوراق منذ حين
لأني لا أدرك لماذا أتواجد
ولم أنا الحي موتاً أتوالد // إكراهاً
وأمضي في ظنون
قد دفنت أنفاسي منذ زمن // ولم تزل دافئة
وما زال قلبي نابضاً
بكل هذا الجرح والأنين
حزين من أجلي // من أجل الأطفال
من أجل السنين
لأني إقتربت أكثر مما يليق من الحنين
لأني سأدفن بعيداً عن أرضي // عن بلدي
وأترك الحلم الثمين
لأن امرأة ما ستبكي عليّ كثيرا
وكنت وعدتها بفرحٍ يملأ القلب والعيون
لأن قطاراً ما تأخر عني كثيرا
وتركني كبيتٍ خربٍ مرميّ في صالة القادمين
لأني لم أغني للفرح قط // ولم يغنِّ لي
لأني تشهيتُ خبز امي المعفر // وطعامها الشهيّ
ودعوة تصُبّها في أذني كل صباح
بحفظ رب العالمين
لأني تزوجت كل نساء الأرض // خيالاً
الا التي أحببتها
ولأني أنجبتُ أطفالاً بلا ذنبٍ دون وطن
وسأورثهم الجرح
كما يفعل اللاجيء في تعبه والحنين
فلا يملك سوى الجرح الذي يحمله معه
على طول السنين
حزين //
لأني على مشارف الحنين
سأسقط الروح في دُرج النسيان // ألماً
كما يفعل كل المتعبين
التاريخ : 9/20/2011 10:45:20 AM