في حياتنا نلتقي بأشخاص يتمتعون بالحب والتقدير والإعجاب والاحترام على
نطاق واسع، إذا تحدثوا يستمع الناس لقولهم ويلقون آذانا صاغية، وإذا
أشاروا برأي يُؤخذ برأيهم، وإذا أمروا يُطاعوا، وإذا تواجدوا في مكان صار
يعج بالحضور، بينما يسعى آخرون عبثا لإثبات حضورهم.
ونتساءل دائما: «ما هو الفرق بين هؤلاء الناس الذين يحبهم الجميع وأولئك الذين لا يلقون قبولا من قبل الناس؟».
ما لا تفعله
إذا التقيت في مكان العمل مع شخص كان يتعين عليك أن تعمل معه في بعض
الأحيان، ولابد لك أن تعترف أن هذا الشخص كان أكثر كفاءة منك في مجال عملك،
ولكن في حياتك، التقيت بالكثير من الناس هم أكثر كفاءة وأكثر ذكاء وموهبة
منك. ولكنه لم يكن شخصا خارقا، ولكن ما جعله متفردا إلى حد كبير هو موهبته
الأخرى: لم يكن واحدا من أولئك الذين يقولون «هل رأيتني؟»، أو مِن الذين
يتفاخرون بخيلاء، إنهم يثيرون الضحك أكثر من أي شيء، لم يكن ذلك من قبيل
الخيلاء، بل لم تكن هناك رغبة منه للزهو خلف كل ذلك.
لقد كان الأمر دقيقا للغاية، كان شيئا قليلا لا يمكن تعريفه، موجود في
لغة الجسد، السلوك، نبرة الصوت، الكلمات والنظرة، ولكن في النهاية.. هذه
السلوكيات تصرخ برمتها «انظروا كيف أنا كفء! أنا أفضل منك!».
كن واثقا من أن هذا الشخص كان يشعر في الواقع بنقص خطير في الاعتراف
بذاته، وكل ما كان يريده، وحتى دون أن يدرك، هو أن يحظي بالتقدير. وبوعي
منه وبسبب خصاله، كان اللاوعي لديه يفكر في أن يكون بالتأكيد محل إعجاب
الجميع، وسوف يحظي في النهاية بالإعجاب .
ما تفسير ذلك في رأيك؟! ماذا شعرت حيال هذا الشخص؟ التقدير؟ الإعجاب؟
الاحترام؟ لا.. على الإطلاق! لقد وجدت صراحة أنه شحص منفر، لماذا؟ لأنه،
عندما كان يرتفع، كان يقلل مني، وكان يشير لي صراحة بكل ما عندي من أخطاء،
بل كل ما عندي من عيوب. هل يمكن أن تجد متعة في الوجود حول شخص أو مجرد
وجوده يجعلك تشعر بالضآلة؟.
كيف تكون محبوبا؟
لماذا أذكر كل هذا؟ لأنك إذا كنت تريد أن تكون محبوبا، فهذا هو بالضبط ما لا يجب أن تفعله..
في الواقع، هذه هي الوصفة التي يجب أن تتبعها لتحظي بالحب، فمن الضروري أن تفعل العكس تماما.
عندما شاهدت أناسا من تلك النوعية التي ذكرتها آنفا ويحبها الجميع، هل
شعرت بجانبهم أنك مدهش، ولم يخامرك الشعور أن لديهم شيئا خاصا، بل شعرت أنك
الذي تتمتع بشيء خاص، وهذا ما جعل رفقتهم مريحة جدا وممتعة.
هذه واحدة من من أهم الأشياء التي يجب ان تتعلمها على الإطلاق في
العلاقات الإنسانية: «إذا كنت تتصرف بطريقة تجعل الآخرين يشعرون أن وجودك
غير عادي، فإنهم سيولونك امتناناً لا حدود له وسوف يحبونك».
الممارسة العملية
تلك هي النظرية: إن التعبير بالقول بسيط جدا، ولكن مثل أي نظرية تحظي
بالاحترام، فالممارسة العملية تعتبر أكثر تعقيدا بكثير. لن يكفيك أن تقترب
من شخص وتقول: «واو! كم أنت رائع» لكي تضعه في جيبك، سيكون ذلك الحديث
بسيطا جدا، ولكن العلاقات الإنسانية معقدة جدا.
إليك وصفة ينبغي اتباعها لتعطيك نتائج صحيحة:
1- أحبب ذاتك: الخطوة الأولى في هذا الأسلوب حاسمة، قد يبدو هذا
متناقضا، ولكن لكي نكون محبوبين من قبل الآخرين، يجب علينا أن نبدأ بحب
أنفسنا أولا.
بعد ذلك، إذا كنت تعتبر أنك لا تستحق الاعتبار، كيف يمكن إقناع
الآخرين بذلك؟ إنك حاولت بالفعل الدفاع عن رأي لم يكن ملكا لك؟ لذا عليك أن
تعترف لأي درجة كان هذا الرأي غير فعال وغير نافع. لا تضع العربة أمام
الحصان، ولا تتوقع الحصول أيضا على تقدير الآخرين إذا كنت تفتقر لاحترام
لنفسك.
ربما تسأل: «كيف يمكنني إصلاح احترامي لذاتي الذي تدنى، وأنا أعتبر
نفسي من ضمن البؤساء بل ربما أقلهم؟». سيكون هناك الكثير من الكلام، ولكن
عليك أن تقدر ذاتك في المقام الأول وتحدد إمكاناتك وتعمل على تنميتها لتكون
على قدر كبير من المهارة والرصانة، وعلى الصعيد الشخصي ينبغي أن تتسم
بالحلم والرأفة وأن تعمل على عيوبك وتعمل على دحرها، وأن تتسم بالقدوة
الحسنة التي يحتذي بها الآخرون.
هل أصبح حبك لذاتك كبيرا؟ رائع ! لننتقل إلى الخطوة التالية.
2- إلتقِ بالناس: هل تريد أن تكون محبوبا؟ سيكون ذلك صعبا إذا كنت تعيش
في جزيرة مهجورة، هذا الأسلوب يتطلب منك أن تقضي وقتا مع الناس، أناس
حقيقيون من لحم ودم.. إذاً عليك أن تنفصل عن جهاز الكمبيوتر الخاص بك،
وتوفر لك حياة اجتماعية جديرة بهذا الاسم.
3- أحبب الناس: أعتقد أن هذه هي أصعب خطوة، لكن لن تكون محبوبا إذا كنت
لا تحب الناس أولا، وربما يكون ذلك صعب، إننا نلتقي بالكسالى كثيرا في
حياتنا، لكن هيا.. فلسنا جميعا نماذج للكمال، ومن ثم هناك دائما أشخاص
يروننا حمقي، لذا علينا أن نتغاضي عن عيوب الناس وقبول عيوبهم ونقائصهم.
هل تعرف لماذا؟ عندما يتحقق ذلك، ستشعر أنك أفضل بكثير، وسوف تشعر أن
وراء كل إنسان شخصا غاضبا، ساخرا، كسولا، كاذبا ومتلاعبا، وما إلى ذلك،
وغالبا ما يختفي خلف هذا الشخص كائن غير عادي ينتظر فقط من يكتشفه.
وتعتبر محبة الآخرين شرطا أساسيا لهذا الأسلوب، حسنا حسنا، هل ذلك
يصعب تحقيقه جدا، ولكن مهلا.. لقد قلت إنها وصفة سحرية، وليست سهلة. إذا
وصلت إلى هذا الحد، فقد فعلت الجزء الصعب، والباقي ليس إلا مسألة تقنية مع
وجود القليل من الممارسة، وسوف تقوم بذلك من دون الكثير من المتاعب.
4- كن مهتما بالناس: الخطوة التالية، اهتم بالناس، هذا يتطلب أن تقوم بتطوير عدة قدرات:
- الفضول في معرفة المزيد عن الآخرين، واكتشاف من هم حقا.
- القدرة على إقامة علاقات صحية تقوم على الثقة والتبادل وليس على التلاعب.
- انظر إلى الناس كما هم عليه.. ليس على اعتبار أنهم جيدون تماما ولا سيئون تماما.
- الاعتراف بأننا - أنفسنا - لسنا نماذج للكمال.
- تقبل أن تكشف نفسك للآخرين وإظهار ما يمكن أن يعطوه لك.
- قوة المراقبة التي تسمح بإيلاء الاهتمام للآخر، ملاحظة الأشياء ورؤية ما لا يراه الآخرون.
- التعاطف والقدرة على فهم المشاعر والحالات المزاجية للآخرين.
إذا كنت حقا مهتما بالناس، ستلاحظ عنهم أشياء بشكل طبيعي، لذلك لاحظ
الخصوصيات المادية لهم، وحدد شخصياتهم، واكتشف ما هي المهارات والصفات
والعيوب الخاصة بهم، ولكن الأهم من ذلك، أن تضع في اعتبارك أنه لايمكن أن
نعرف شخصاً تماما.
5- كن عالما نفسانيا: هل عليك أن تبدأ في معرفة شخص ما؟ ما هي نقاط
ضعفه ونقاط القوة لديه؟ ما أكثر شيء يريده في العالم؟ وما يأمله وما الذي
يخشاه؟.
لكي يشعر الناس بالراحة في وجودك، يجب أن تعطي لهم ما يريدون. لمزيد
من الفهم، انظر إلي المشكلة في الاتجاه المعاكس، في رأيك، ما هي أسوأ إهانة
له؟.
لمعرفة مجاملة من شأنها أن تسعد شخصا بالأكثر، خمن ما هي الإهانة
الأكثر إيلاما له، فشخصياتنا الخاصة تحتوي على كافة نقاط القوة ونقاط
الضعف.
6- المديح: نأتي إلى الجزء الأخير، فالمجامل الجيد يستند بفعالية أساسا على ثلاثة مبادئ هي: الصحة، الصراحة والدقة.
وما هو أكثر صعوبة أن يتم رفض مجاملة دقيقة، فمن خلال الدقة، يمكنك
عبور الحواجز التي يضعها من تقوم بمجاملته، ولاتترك له أي فرصة للهرب.
وتذكر أنه من الأفضل توجيه ثلاثة مجاملات صريحة غير مباشرة ودقيقة خير
من إطراء كبير. والمجاملات لا توجه بالضرورة من خلال الكلمات، لا تغفلوا
لغة الجسد.. على سبيل المثال، عندما يطلق محدثك نكتة أو دعابة، فالضحك هو
أفضل مجاملة.
وتذكر: لكي تكون موضع تقدير، اجعل وجودك مصدرا للراحة، ومرة أخرى،
اعلم أن هذه الطريقة لن تجعلك تحظي بتقدير الجميع إذا لم تمارسها عمليا.